تُعبر المفارقة عادة عن العلاقات والظواهر المختلفة التي تبدو للوهلة الأولى وکأنها تتسم بالتناقض والتضاد، لکنها في واقع الأمر لا تمثل تناقضاً حقيقياً، ولکن تضاد أو تناقض ما بين الظاهر السطحي والمظهر الزائف للأشياء، والمعنى العميق والخفي والحقيقي لها. لذلک عادة ما يلجأ الأدباء والکتاب على تعدد أقلامهم وتنوع إبداعاتهم إلى أساليب تستند إلى طبيعة المفارقة مثل: السخرية والتورية والرمزية ... وغيرها من هذه الأساليب البلاغية والجمالية والفنية. وهذا ما دعاني إلى تطبيق مفهوم المفارقة على واحدة من أشهر وأروع ما کتب نجيب محفوظ، وهي رواية "اللص والکلاب" وهذه الرواية زاخرة بالعديد من المفارقات الخصبة والغنية والعميقة، مثل: مفارقة السجن الصغير (السجن العقابي) والسجن الکبير (المجتمع)، مفارقة القيد والحرية، مفارقة الفضيلة والرذيلة، مفارقة النور والظلمة، مفارقة الوفاء والخيانة، مفارقة العدل والظلم، مفارقة المعنى وغياب المعنى، مفارقة اللص والبطل الثوري. على أية حال فإن إشکالية هذه الدراسة تتمثل في النقاط التالية: (1) ماهية المفارقة؟ (2) أشکال المفارقة وکيفية تمظهرها في الفن الروائي. (3) تحليل المفارقات التي تنطوي عليها رواية اللص والکلاب عبر تحليل الهيکل الروائي للرواية واستخراج المفارقات اللفظية والدرامية لهذا النص الرائع.