حيدر, محمود. (2019). مفارقات الميتافيزيقا البعدية ـ جدل التضاد والتکامل فى نظرية المعرفة العرفانية.. سلسلة أبحاث المؤتمر السنوي الدولي" کيف نقرأ الفلسفة", 5(2), 639-688. doi: 10.21608/philos.2020.148573
محمود حيدر. "مفارقات الميتافيزيقا البعدية ـ جدل التضاد والتکامل فى نظرية المعرفة العرفانية.". سلسلة أبحاث المؤتمر السنوي الدولي" کيف نقرأ الفلسفة", 5, 2, 2019, 639-688. doi: 10.21608/philos.2020.148573
حيدر, محمود. (2019). 'مفارقات الميتافيزيقا البعدية ـ جدل التضاد والتکامل فى نظرية المعرفة العرفانية.', سلسلة أبحاث المؤتمر السنوي الدولي" کيف نقرأ الفلسفة", 5(2), pp. 639-688. doi: 10.21608/philos.2020.148573
حيدر, محمود. مفارقات الميتافيزيقا البعدية ـ جدل التضاد والتکامل فى نظرية المعرفة العرفانية.. سلسلة أبحاث المؤتمر السنوي الدولي" کيف نقرأ الفلسفة", 2019; 5(2): 639-688. doi: 10.21608/philos.2020.148573
مفارقات الميتافيزيقا البعدية ـ جدل التضاد والتکامل فى نظرية المعرفة العرفانية.
مفکر وأستاذ تاریخ الفلسفة والإلھیات رئیس مرکز دلتا للأبحاث المعمقة- مدیر التحریر المرکزي لفصلیة الاستغراب ّ (لبنان)
المستخلص
يروم بحثنا إلى تخصيص الاشتغال على مفارقات الميتافيزيقا في مقامها المابَعْدِيْ. وهو مقام يعود فيه سؤال الوجود إلى منبته الأوّل، ليستفهم عن الواجد وکيفيّة صدور الموجودات عنه. نعني بهذا المقام أيضاً التعرّف إلى حقيقة الوجود على نحو يجاوز فيه الفکر ما اقترفته الفلسفة الأولى من معاثر، خصوصاً من بعد ما انحبست في کهف المقولات العشر، واکتفت بتحرّي عالم الممکنات. فالمقام المابعدي الذي نقصده هو المنحنى الذي تميل فيه الميتافيزيقا صعوداً نحو الوجود الأصيل، لتتاخمه وتتعرَّفه بالتفکّر والاستبصار. ثم لتنظر إلى کثرته بالاعتناء والقبول، على الرغم مما تحويه من صور التنافر والتدافع والتناقض. وإذا کانت الفلسفة الأولى أسست للانشطار في إدراک مقولة الوجود، وأوقفت نفسها على الاستدلالات العقليّة القلقة حول الوجود بذاته والموجود بغيره، فقد اتّخذت الميتافيزيقا البَعدية مسارها الخاص لتأليف نظامها المفارق. سيکون عليها أن تستهل رحلتها بإجراءات تُحدِثُ تحويلاً جذرياً في بنية المفارقة کماقدمهاالدرسالفلسفيالکلاسيکي، وذلک من أجل ان تفتحعلى أفق يلتقى فيه المرئي واللّامرئي على نصاب الألفة والانسجام. تتعيّن مهمّة الميتافيزيقا البَعدية بالسعي إلى تشکيل منظور معرفي يفارق الفکر فيه حصريته التفسيريّة للوجود: إما وجود متناثر غير قابل للوحدة ومآله التيه والعدم.. وإما وجود حلولي امتزاجي تتشابه مراتبه وعوالمه إلى الحد الذي يتساوى فيه الخالق والمخلوق، وينعدم التمايز بينهما. الميتافيزيقا البَعدية تدأب على بلوغ منطقة وسطى تؤسس عليها دربتها، وتستظهر مفارقاتها. ولأجل هذه الغاية ستمضي إلى السؤال عن واجد الوجود وکيف صدرت عنه الموجودات. وخلافاً لما ذهب إليه الإغريق في وقف مهمّة الفلسفة على البحث في الموجود بما هو موجود، سعت الميتافيزيقا البَعدية إلى مجاوزة هذه المعثرة لتحاکي أصالة الإيجاد الإلهي للعالم وقيومية الموجد على المخلوقات جميعاً. وعليه فقد ابتنت مسلکها على جدلية الوصل والفصل بين الله والعالم. لذا طفقت تبحث عن منطقة من المفارقات لا ينبغي أن يستوى فيها النظر إلى الإنسان والکون والله على نصاب الوحدة التامّة. تعتني الميتافيزيقا البَعدية بالواجد بوصفه الوجود الوحيد الذي لا ضد له. وما ذاک إلا لتعاليه على الثنوية وتأبِّيه عن الوصال الذاتي مع الکثرة. المفارقة هاهنا تتأتّى من إقبال الواجد على موجوداته بالخلق والإيجاد، باعتبار إن فعل إيجاد العالم يستلزم الثنوية والتضاد بطبيعته. في حين يظل السؤال عن سر صدور الکثير عن الواحد حاضراً في تاريخ الميتافيزيقا يقض هدأته وتحار فيه الأبصار. لم يستطع العقل الفلسفي أن يفارق معضلته الکبرى. ظل المبدأ الأول والحقيقة الغائية في دوحته سرّاً يدور مدار الظنون. ثم لتسري تلک الظنون إلى سائر الموجودات؛ ثم ليصير الشک المشوب بالعدميّة سيّد التفلسف منذ اليونان إلى يومنا هذا. الميتافيزيقا البَعدية مضت أبعد من ذلک في المفارقة. لقد وجدت أن للذات الإلهيّة المتعالية، توسطات وأقانيم، هي الأسماء والصفات والتجليات، وفي محراب هذه التوسطات ومن خلالها، يمکننا أن نتبيّن التکثُّر اللامتناهي لألوان الوجود. وأن نعلم أن ظهور کافة أشياء هذا العالم، إنما يتم عن طريق أضدادها. فالحياة في عالم الظهورات، أو في مرتبة التجلي، هي حياة في عالم أضداد لا ترتفع إلا في الوجود الجامع للأضداد (Coincidentiaoppositorum). الآخذون بمفارقات الميتافيزيقا البَعدية يقرون بهذه الجدليّة انطلاقاً من إيمانهم بقانون الزوجيّة الذي يحکم عالم الخلق. ولذا سيبنون نظامهم المعرفي المابعدي على لقاء الأضداد وانسجامها. ولهذا السبب راحوا يواجهون التناقض والمفارقة، ولا يجدون لغة غير لغة التناقض والمفارقة للحديث عن ذلک السر الذي يمکث وراء طور العقل. قصارى القول، تبدو مشاغل الميتافيزيقا البَعدية، في مسعاها إلى فهم جدليّة المواصلة والمفارقة بين الواجد والموجود مرکوزة في السرّ الذي ينطوي عليه فعل الخلق والإيجاد. وهو ما لا يقدر على مقاربته أو الدنو منه عقل محروس بالماهيات وتديره الحواس الخمس، وإنما عقل ممتدٍّ يستشعر وصلاً خلاقاً بين الغيب والواقع. أمّا إدراک سر الإيجاد الممتلئ بالمفارقات فذلک موقوف على مکابدة ذلک السر إلى الدرجة التي يتبدّى معها الکون المرئي کتجلّ وإجابة لفعل الکلمة الإلهية(کن). هذا الديالکتيک التواصلي هو ما ينعته العرفاء بـ "حکمة الخلق". ومفاد هذه الحکمة أن القدرة الکلية المطلقة متعلّقة حکماً بما هو ممکن الوقوع، لا بما هو محال الوقوع. ولما کان المحال ممتنع الوجود فقد جعل الله نظام الخلق مبنياً على السببية کقانون ثابت لا تبديل فيه ولا تحويل إذ يستحيل مجاوزة السببية لامتناع ذلک في نفس قوانين الخلقة الإلهيّة. والله بعلمه الکلي وحکمته البالغة أوجد هذا العالم على هذه الصورة التکوينيّة. إذ إن وضع الأرض داخل البيضة محال الوقوع لأنّه خلاف نظام الأسباب والمسببات.